إقالة المحافظين الفلسطينيين: تعبير عن أزمات موجودة من دون إرادة للتغيير

إقالة المحافظين الفلسطينيين: تعبير عن أزمات موجودة من دون إرادة للتغيير

  • إقالة المحافظين الفلسطينيين: تعبير عن أزمات موجودة من دون إرادة للتغيير

فلسطيني قبل 8 شهر

إقالة المحافظين الفلسطينيين: تعبير عن أزمات موجودة من دون إرادة للتغيير

 

رام الله ـ / سعيد أبو معلا

:حتى اللحظة ما زالت أحاديث إحالة المحافظين للتقاعد حاضرة بين الفلسطينيين، فالمحافظون الـ 12 الذين علموا بنبأ إحالتهم، من الرئيس محمود عباس، على التقاعد ما زال حديث الشارع الفلسطيني، وما زال مصدر تكهنات وإشاعات في ظل طبيعة القرار الذي شكل صدمة للمقالين أولا وللشارع الفلسطيني ثانيا.
ومثلما توالت الإشاعات والتحليلات حول قرار الإحالة شبه الجماعي من حيث الأسباب والدوافع والمبررات فإن الأحاديث حول من يخلفهم تتضاعف في ظل وجود جدل داخلي وصراعات داخل أجنحة القرار في السلطة الفلسطينية وحركة فتح.
وبرأي الدكتور أحمد أبو الهيجا، وهو الباحث في علم الاجتماع السياسي والحركات الاجتماعية فإن مشهد إقالة المحافظين يعكس جزءا من حالة ارتباك، فيما لا يعكس حالة تقود إلى التغيير في السلطة الفلسطينية.
ويضيف: «هي جزء من حالة ارتباك تأتي ضمن مسار يدور في حلقة مفرغة، حيث تجد السلطة الفلسطينية نفسها ضمن منظومة من اللاحلول الجدية في ظل الأزمات الكثيرة التي تمر بها، فهي تفتقد لأي وعي أو إرادة للتغيير الحقيقي الذي يريده المواطنون».
ويرى أبو الهيجا أن الإجراءات التي قام بها الرئيس تبدو في ظاهرها الجرأة والصرامة والحزم، لكنها في العمق ومن الداخل نجد أنها تؤكد على وجود أزمة يعيشها المستوى السياسي، ففعل الإقالة بمثابة صراخ وإنذار، فيما جزء آخر من هذا الفعل يعكس وجود فعل تأنيبي إقليمي ودولي ومحلي بحثا عن مخرج في ظل الحالة العامة من الانسداد العام، ويقابلها حالة أكبر من عدم الارتياح الداخلي، وهو ما أنتج اللحظة التي اتخذ فيها القرار.
وحول ما يعكسه القرار وبالطريقة التي نفذ فيها يضيف: «مشهد الإقالة شبه الجماعي وبالطريقة التي نفذ بها يعبر عن مجموعة من الأمور منها: وجود حالة من تصفية الحسابات وهذا أولا، وثانيا يعكس جانبا من تجليات الصراع على خلافة الرئيس، وثالثا يعكس حالة من إعادة توازنات القوى الداخلية في المشهد الفلسطيني، حيث يعمل الرئيس الفلسطيني على استغلال أي فرصة لتعزيز سيطرته على مفاصل القرار».
ويكمل: «هناك هيمنة طرف واحد على صنع القرار، وهناك تصفية حسابات بين أطراف القوى الداخلية، والأهم ارتباط كل ذلك بالطريقة التي يعمل ويفكر فيها الرئيس محمود عباس، فهو غالبا ما لا يشرك من هم حوله في اتخاذ القرار، حيث لا يعلمون بماذا يفكر، وهو ما جعل القرار مفاجئا للجميع».
ويشير أبو الهيجا إلى أن مبررات القرار دوما ما كانت موجودة، فالحالة الفلسطينية تعيش أزمة عميقة، فيما هناك مجموعة من الأخطاء والتجاوزات التي قام بها المحافظون، ليكون السؤال لماذا الآن؟ لقد كان القرار بالدرج، لكنه صدر وتم تفعيله الآن، وهو ما يجعلنا نطرح السؤال: لماذا؟
أما عن المشهد الذي خرج به قرار الإقالة فإن أبو الهيجا يرى أن هناك احتمالين الأول أن تكون طريقة إخراج القرار مقصودة، أي أن يعلم المحافظون بالقرار من وسائل الإعلام، والثاني أن تكون الطريقة جزءا من حالة الإرباك المعتادة.
وحسب أبو الهيجا فإنه وإذا كان مشهد إخراج القرار مقصودا فهذا يشير إلى رسالة واضحة ومفادها أن القرارات حاسمة للتغيير وتعبر عن هيمنة على مفاصل القرار لصالح طرف أو تيار، وتحديدا تيار أمين سر منظمة التحرير الوزير حسين الشيخ بدرجة كبيرة، إلى جانب أنه يعكس منطق تفكير الرئيس في ملف خلافته، حيث يمكن أن يعتبر هذا المشهد جزءا من الطريقة التي يفكر فيها في تشكيل المشهد الخاص بالمستقبل.
أما إن كان المشهد يعبر عن حالة ارتباك، والحديث لأبو الهيجا فهو أمر ليس غريبا على السلطة التي تبدو لنا دوما في حالة ارتباك وعدم تخطيط وتعيش حالة من عدم يقين، فنحن إزاء فعل انفعالي، وقد يكون الأمر تسريبا من مسؤول، بمعنى أن هناك طرفا ما أخرج الموضوع ووضع الجميع في أزمة، كما أن المشهد يعكس ارتجالا ما، حالة لم تدر بطريقة مهنية، حيث فيها الكثير من الارتجال غير المقصود.
ويشدد أبو الهيجا أنه لا يمكن اليقين في التحليل، «لا يمكننا الدخول إلى عقل الرئيس الفلسطيني، قد يكون يخطط لمؤتمر فتح الثامن مثلا، ويريد وضع ترتيبات معينة، وعبر الإقالة يكون الرئيس قد أزال من أمامه شخصيات كثيرة وبطريقة مفاجئة، وهو أمر اعتدنا عليه سابقا، والأمثلة على ذلك ما فعله مع توفيق الطيراوي وناصر القدوة، وبالتالي قد يكون ما حدث تمهيدا لشيء ما قادم».
أما عن دور الإقليم فيرى أبو الهيجا أن له الدور الكبير والحقيقي على القرار الفلسطيني، لكن بالنسبة لقرار يتعلق بالمحافظين وبهذه الطريقة قد يكون الأمر مستبعدا، «الإقليم له رأي مهم مثلا في التعديل الوزاري أو تعيين رئيس الوزراء وهنا نقصد الأردن ومصر بمرتبة أولى، ومن ثم إسرائيل وأمريكا بمرتبة ثانية».
ويتساءل هل سيكون إقالة المحافظين بمثابة تغيير ونقطة. بمعنى ألا تتبعه تغيرات أخرى؟ هذا هو السؤال، ويضيف: «غير أن الحقيقة تقول إن كل ما يجري يدلل على وجود استحقاق ولا بد من القيام بمجموعة كبيرة من الخطوات، نحن في أزمة لكن من دون حلول ومن دون إرادة حقيقية للتغير».
المسألة حسب الباحث بلال الشوبكي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، فإن المشهد الخاص بإحالة المحافظين للتقاعد يعكس تغول السلطة التنفيذية على ذاتها، حيث لم يعد التغول فقط على السلطتين التشريعية والقضائية بل امتد لذاتها، «لم يعكس المشهد التقاليد والأعراف المعمول بها نحو من ساند ودعم الرئيس، وكان ممثله في المدن والمحافظات. وهو ما يعكس مزيدا من التفرد في القرار الفلسطيني».
ويرى الشوبكي وهو محلل سياسي في شبكة السياسات الفلسطينية أن المشهد يعكس تعزيز سلطة مجموعة نافذة داخل السلطة على حساب أجنحة وأطراف أخرى. ويضيف غير أن الأهم هو أن المشهد يعكس عدم رضا الرئيس عن الأداء الخاص بالمحافظين في معظم المناطق.
ويرى أن عملية تتيع مجموعة من المتغيرات تجعلنا نتوقع السبب الذي دفع الرئيس إلى هذه الخطوة، وأولها أننا نشهد منذ فترة غيابا للسطوة الأمنية عن كثير من المناطق، إلى جانب تنامي جيوب المقاومة الفلسطينية، فخطوة إحالة المحافظين للتقاعد «لا تنفصل عما يحدث في شمال الضفة الغربية في ظل تنامي المخاوف من انتقال ظاهرة المقاومة لبقية المحافظات الفلسطينية».
ويرى أنه يصعب البحث في المجهول وغير المعروف في دواعي ومبررات القرار الصادم، «قد نخمن لكن لا يمكن الجزم في الأسباب التي دفعت لاتخاذ القرار، غير أنه من الواضح ان هناك رؤية مسنودة على ما أبعد من الدائرة الفلسطينية في ظل الحديث عن تغيرات جوهرية مقبلة».
وعن إشارة بعض التحليلات إلى أن الرئيس يريد جلب محافظين جدد من دون أي تاريخ نضالي، يرى الشوبكي أن هذه قراءة كلاسيكية للقرار الجديد وهي غير دقيقة في ظل أن كثيرين ممن انخرطوا في مشروع التسوية السياسية بشكل كامل هم أصحاب تاريخ نضالي، «فالكثير منهم ليست لديهم مشكلة في القيام بدور مخالف لتاريخهم النضالي. وهو أمر يؤكد عليه أن جزءا مهما من قيادات السلطة ورموزها هم أصحاب تاريخ نضالي طويل».
ويشدد الشوبكي أن أحد أبرز الإشكاليات الدافعة للقرار ترتبط بالتقييمات الدولية للسلطة، وهي تقييمات تشير إلى أنها تفقد سيطرتها تدريجيا، وهو ما يجعلنا نقرأ ما جرى تعبيرا واستجابة لضغوط من مستويات إقليمية ودولية.
وتحدثت «القدس العربي» مع مصدر مقرب من السلطة وحركة فتح أشار إلى أن الدوائر القريبة من السلطة تدرك أن ما يجري يرتبط بضغط أمريكي وبطلب مباشر من الإدارة الأمريكية.
وتابع المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أنه «من الواضح جدا أن هناك جهات كثيرة تريد أن تتبدل الأوضاع وعلى رأسها حركة حماس التي ظهر للسلطة أنها معنية بتحفيز ودعم وتشجيع أي بؤر نضالية في الضفة الغربية، وهو ما عزز المخاوف منها ومن كل الفصائل المقاومة».
وأشار المصدر أن «تجربة ما حدث في نابلس من خلال اعتقال شخصيات كانت تقوم بالتحرك مع الفصائل الأخرى هو أمر كان أخطر مما قدرته السلطة والمستويات الدولية، لقد نجحت حماس في بناء شبكة علاقات عابرة للفصائل وهو ما يجعل من التجربة برمتها متجاوزة لما تريده السلطة الفلسطينية».
وتحدث المصدر عن ان محاولة إضعاف حماس عملت على تنامي قوة حركة الجهاد الإسلامي، «لقد اكتشفت السلطة أن سنوات طويلة من المواجهة مع حماس قادت لتنامي قوة تيارات أخرى، فمنح تيارات مساحة للعمل السياسي بشكل نسبي بالمقارنة مع حركة حماس خلق تيارات جديدة تنافس حركة فتح، مثل الجهاد في الشمال وحزب التحرير في الجنوب على سبيل المثال».
وحسب المصدر فإن التقديرات الجديدة تقول إن المواجهة لم تعد مع حركة حماس وحدها، بل ظهر مؤثرون وفاعلون جدد، وعليه فإن الأمور لو تركت من دون إجراء خطوات سريعة في المرحلة المقبلة فإن البساط سيسحب من تحت أقدام التيار القوي في السلطة، وبالتالي فإن ما جرى هو ضربات استباقية ومحاولة لإعادة السيطرة في ظل فشل سياسات السلطة في إدارة الضفة الغربية.

«القدس العربي»

التعليقات على خبر: إقالة المحافظين الفلسطينيين: تعبير عن أزمات موجودة من دون إرادة للتغيير

حمل التطبيق الأن